الزعيم الوطني الكبير الأستاذ أحمد محمد نعمان هامة عظيمة لها تأريخ ناصع في تأريخ اليمن الحديث رحمه الله ( توفي عام 1996).. لن تكفي السطور التالية في حقه ولكنها ملخص لحياته العظيمة..
منذ أن كان صغير السن حرص على تلقي العلم في قريته، ثم في زبيد حيث درس العلوم الدينية على أيدي بعض علمائها الأجلاء.. وما أن عاد إلى مسقط رأسه حتى قام بتأسيس (المدرسة الأهلية)، و (نادي الإصلاح) عام 1934م.. وفي دار أسرته العريقة كان المواطنون من أبناء قريته يتوافدون عليه لقراءة ما كان يصل إليه من الكتب، والصحف، والمجلات التي كان يقوم بتهريبها معهم من عدن العمال العائدون من عدن، أو من المهجر.. وكانت تلك المدرسة المتواضعة، وذلك النادي الصغير مداران من قبله بمنتهى السرية.. لكن لم يقتصر التعليم في مدرسته على تلقين روادها من الطلبة القرآن ومبادئ العلوم الدينية فقط، كسائر الكتاتيب والمدارس في شمال اليمن حينها، وإنما كان يشمل تدريسهم العديد من المواد الأخرى كالحساب، والجغرافيا، والتاريخ.. إذ كان يرى أن إصلاح الأوضاع، وتطوير المجتمع، وتغيير النظام إنما يبدأ بنشر التعليم حتى ينمو الوعي في أوساط الناس.. فكان بذلك سباقاً إلى إدراك أهمية دور العلم، وضرورة مكافحة الجهل في الارتقاء بوعي الشعوب، ومداركها، إذ أن الجهل يحول دون معرفتها بحقوقها المشروعة، وبالتالي لا تدرك واجبها بأن تناضل من أجل انتزاع تلك الحقوق، واسترداد حرياتها المسلوبة..
وإثر رحيله إلى القاهرة لمواصلة دراسته في الأزهر الشريف، بادر إلى إطلاق (أنته الأولى) في شكل رسالة جريئة وناصحة بعثها إلى ولي العهد حينها - سيف الإسلام الإمام أحمد يحيى حميد الدين - وكان ذلك في عام 1936م.
وفي مصر التقى مع القاضي محمد محمود الزبيري ليصبح الاثنان منذئذ رفيقي درب واحد.. وأثناء مقامه في أرض الكنانة تعرف إلى العديد من المجاهدين العرب الكبار مثل شكيب أرسلان، ومحمد علي الطاهر، ونفر من ساسة ومثقفي مصر البارزين آنذاك، كما جمعته بفضيلة العلامة الجليل الشيخ محمد بن سالم البيحاني... علاقة محبة وصداقة استمرت منذ تزاملهما في الأزهر وحتى وفاة الأخير..
ثم عاد "الأستاذ" - كما ظل اليمنيون يدعونه ويطلقون عليه في أحاديثهم عنه، أو مخاطبتهم له - مع رفيقه وصديق عمره، وشريكه في رحلة الكفاح الطويلة إلى أرض الوطن.. غير أنهما ما لبثا ثلاثة أعوام في تعز حتى قررا النزوح سراً منها مع رهط من صحبهما، وفي مقدمتهم المثقفان الكبيران والشاعران الفذان - الشهيد زيد الموشكي، والأستاذ أحمد محمد الشامي إلى عدن حاضرة الضفة الأخرى من الوطن بعد أن كان قد سبقهم إليها الشيخ مطيع دماج، وثلاثة من المشائخ الساخطين على الحكم الإمامي.
ومنذ أن القيا الرحال في عدن أوائل شهر يونيو 1944م، بدأ الزعيمان الوطنيان الكبيران - نعمان والزبيري في تأسيس حركة الأحرار، بدءاً بـ (حزب الأحرار) الذي لم تسمح سلطات الاحتلال البريطانية بقيامه، مما دعاهما إلى إنشاء (الجمعية اليمنية الكبرى).. ومنذ ذلك الحين انطلقت مسيرة النضال ضد الحكم الإمامي في الشمال.
وإثر قيام ثورة فبراير 1948م بزعامة الشهيد السيد عبدالله بن أحمد الوزير، تم تشكيل حكومة برئاسة سيف الحق إبراهيم الذي كان قد انضم إلى حركة الأحرار في عدن بقيادة النعمان والزبيري بعد هروبه إلى أسمرا حيث تولى المناضل شائف محمد سعيد الذي فقدناه قبل أيام ترتيب سفره إلى عدن، واختير الأستاذ وزيراً للزراعة فيها - فما لبث الأخير أن قرر التوجه إلى صنعاء .. لكن بينما كان هو والمناضل الحاج عبده الدحان قد و صلا إلى مدينة ذمار، قام عكفة وأنصار أسرة حميد الدين بأسرهما وإرسالهما مكبلين بالأغلال سيراً على الأقدام إلى (سجن نافع) الرهيب في حجة، إذ كان الإمام أحمد قد نجح في القضاء على الثورة الوليدة.. وبقي الأستاذ قابعاً مع رفاقه الآخرين من الثوار الذين افلتوا من الإعدام، خلف أسوار ذلك السجن العتيق حتى أطلق سراحه بعد أعوام.. وتوجه إلى تعز، لكنه لم يمكث فيها طويل وقت بعد أن أخفق في حمل الإمام على إجراء إصلاحات، وقصد القاهرة حيث التقي برفيق دربه، وصنو حياته القاضي الزبيري الذي كان قد ترك كراتشي التي قضى فيها بضعة أعوام - ولدى مجيء الأستاذ لزيارة عدن العزيزة، طلب منه البريطانيون مغادرتها، فقفل راجعاً إلى ارض الكنانة حيث بقي مع القاضي الزبيري إلى أن قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م.
تولى الأستاذ العديد من المناصب الهامة، إذ تقلد في أوائل أيام ثورة سبتمبر حقيبة الحكم المحلي، لكنه استقال منها ليعين مندوباً دائماً لدى الجامعة العربية.. كما قام بتأليف حكومته الأولى عام 1965 عقب (مؤتمر خمر).. وإثر قيام حركة الخامس من نوفمبر 1967، اختير عضواً في المجلس الجمهوري، ثم كلف بتأليف حكومته الثانية عام 1971م، لكنه ما لبث أن قدم استقالة حكومته بعد أن أعلن إفلاس خزينة الدولة.. واستأنف عضويته في (المجلس الجمهوري) حتى قيام حركة 13 يونيو 1974م بقيادة المقدم - آنذاك - إبراهيم محمد الحمدي.. فانتقل إلى بيروت ليقيم فيها..
وبعد اغتيال نجله الأكبر - الشهيد محمد أحمد نعمان - في بيروت، انتقل إلى السعودية، ثم رحل بعد أعوام إلى جنيف - عندما أنهكه المرض، وهدته الشيخوخة إلى أن توفي فيها - ومن الغريب أن يكتب عليه قضاء معظم عمره بعيداً عن وطنه.. وكان هذا القائد الوطني المؤسس لحركة الأحرار، الذي غرس مع رفيق حياته القاضي الزبيري بذور الوعي، وشجرة الكفاح ضد الإمامة، عالماً جهبذاً، وخطيبا مصقعاً، وشاعراً، وكاتباً مبدعاً، وذا ذاكرة فريدة لم تخنه في يوم من الأيام كلما أراد استظهار آية قرآنية، أو حديث نبوي، أو بيت من الشعر.. ولكن كان يحفظ من القرآن، والأحاديث، والقصائد، والأقوال المأثورة - بل لكم له من الأقوال المأثورة - لكنه، قبل هذا وذاك، كان يتصف بالحكمة والدهاء، وظريفاً لا تخلو أحاديثه من الطرف والنكات الساخرة.
المصدر: الوسط
منذ أن كان صغير السن حرص على تلقي العلم في قريته، ثم في زبيد حيث درس العلوم الدينية على أيدي بعض علمائها الأجلاء.. وما أن عاد إلى مسقط رأسه حتى قام بتأسيس (المدرسة الأهلية)، و (نادي الإصلاح) عام 1934م.. وفي دار أسرته العريقة كان المواطنون من أبناء قريته يتوافدون عليه لقراءة ما كان يصل إليه من الكتب، والصحف، والمجلات التي كان يقوم بتهريبها معهم من عدن العمال العائدون من عدن، أو من المهجر.. وكانت تلك المدرسة المتواضعة، وذلك النادي الصغير مداران من قبله بمنتهى السرية.. لكن لم يقتصر التعليم في مدرسته على تلقين روادها من الطلبة القرآن ومبادئ العلوم الدينية فقط، كسائر الكتاتيب والمدارس في شمال اليمن حينها، وإنما كان يشمل تدريسهم العديد من المواد الأخرى كالحساب، والجغرافيا، والتاريخ.. إذ كان يرى أن إصلاح الأوضاع، وتطوير المجتمع، وتغيير النظام إنما يبدأ بنشر التعليم حتى ينمو الوعي في أوساط الناس.. فكان بذلك سباقاً إلى إدراك أهمية دور العلم، وضرورة مكافحة الجهل في الارتقاء بوعي الشعوب، ومداركها، إذ أن الجهل يحول دون معرفتها بحقوقها المشروعة، وبالتالي لا تدرك واجبها بأن تناضل من أجل انتزاع تلك الحقوق، واسترداد حرياتها المسلوبة..
وإثر رحيله إلى القاهرة لمواصلة دراسته في الأزهر الشريف، بادر إلى إطلاق (أنته الأولى) في شكل رسالة جريئة وناصحة بعثها إلى ولي العهد حينها - سيف الإسلام الإمام أحمد يحيى حميد الدين - وكان ذلك في عام 1936م.
وفي مصر التقى مع القاضي محمد محمود الزبيري ليصبح الاثنان منذئذ رفيقي درب واحد.. وأثناء مقامه في أرض الكنانة تعرف إلى العديد من المجاهدين العرب الكبار مثل شكيب أرسلان، ومحمد علي الطاهر، ونفر من ساسة ومثقفي مصر البارزين آنذاك، كما جمعته بفضيلة العلامة الجليل الشيخ محمد بن سالم البيحاني... علاقة محبة وصداقة استمرت منذ تزاملهما في الأزهر وحتى وفاة الأخير..
ثم عاد "الأستاذ" - كما ظل اليمنيون يدعونه ويطلقون عليه في أحاديثهم عنه، أو مخاطبتهم له - مع رفيقه وصديق عمره، وشريكه في رحلة الكفاح الطويلة إلى أرض الوطن.. غير أنهما ما لبثا ثلاثة أعوام في تعز حتى قررا النزوح سراً منها مع رهط من صحبهما، وفي مقدمتهم المثقفان الكبيران والشاعران الفذان - الشهيد زيد الموشكي، والأستاذ أحمد محمد الشامي إلى عدن حاضرة الضفة الأخرى من الوطن بعد أن كان قد سبقهم إليها الشيخ مطيع دماج، وثلاثة من المشائخ الساخطين على الحكم الإمامي.
ومنذ أن القيا الرحال في عدن أوائل شهر يونيو 1944م، بدأ الزعيمان الوطنيان الكبيران - نعمان والزبيري في تأسيس حركة الأحرار، بدءاً بـ (حزب الأحرار) الذي لم تسمح سلطات الاحتلال البريطانية بقيامه، مما دعاهما إلى إنشاء (الجمعية اليمنية الكبرى).. ومنذ ذلك الحين انطلقت مسيرة النضال ضد الحكم الإمامي في الشمال.
وإثر قيام ثورة فبراير 1948م بزعامة الشهيد السيد عبدالله بن أحمد الوزير، تم تشكيل حكومة برئاسة سيف الحق إبراهيم الذي كان قد انضم إلى حركة الأحرار في عدن بقيادة النعمان والزبيري بعد هروبه إلى أسمرا حيث تولى المناضل شائف محمد سعيد الذي فقدناه قبل أيام ترتيب سفره إلى عدن، واختير الأستاذ وزيراً للزراعة فيها - فما لبث الأخير أن قرر التوجه إلى صنعاء .. لكن بينما كان هو والمناضل الحاج عبده الدحان قد و صلا إلى مدينة ذمار، قام عكفة وأنصار أسرة حميد الدين بأسرهما وإرسالهما مكبلين بالأغلال سيراً على الأقدام إلى (سجن نافع) الرهيب في حجة، إذ كان الإمام أحمد قد نجح في القضاء على الثورة الوليدة.. وبقي الأستاذ قابعاً مع رفاقه الآخرين من الثوار الذين افلتوا من الإعدام، خلف أسوار ذلك السجن العتيق حتى أطلق سراحه بعد أعوام.. وتوجه إلى تعز، لكنه لم يمكث فيها طويل وقت بعد أن أخفق في حمل الإمام على إجراء إصلاحات، وقصد القاهرة حيث التقي برفيق دربه، وصنو حياته القاضي الزبيري الذي كان قد ترك كراتشي التي قضى فيها بضعة أعوام - ولدى مجيء الأستاذ لزيارة عدن العزيزة، طلب منه البريطانيون مغادرتها، فقفل راجعاً إلى ارض الكنانة حيث بقي مع القاضي الزبيري إلى أن قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م.
تولى الأستاذ العديد من المناصب الهامة، إذ تقلد في أوائل أيام ثورة سبتمبر حقيبة الحكم المحلي، لكنه استقال منها ليعين مندوباً دائماً لدى الجامعة العربية.. كما قام بتأليف حكومته الأولى عام 1965 عقب (مؤتمر خمر).. وإثر قيام حركة الخامس من نوفمبر 1967، اختير عضواً في المجلس الجمهوري، ثم كلف بتأليف حكومته الثانية عام 1971م، لكنه ما لبث أن قدم استقالة حكومته بعد أن أعلن إفلاس خزينة الدولة.. واستأنف عضويته في (المجلس الجمهوري) حتى قيام حركة 13 يونيو 1974م بقيادة المقدم - آنذاك - إبراهيم محمد الحمدي.. فانتقل إلى بيروت ليقيم فيها..
وبعد اغتيال نجله الأكبر - الشهيد محمد أحمد نعمان - في بيروت، انتقل إلى السعودية، ثم رحل بعد أعوام إلى جنيف - عندما أنهكه المرض، وهدته الشيخوخة إلى أن توفي فيها - ومن الغريب أن يكتب عليه قضاء معظم عمره بعيداً عن وطنه.. وكان هذا القائد الوطني المؤسس لحركة الأحرار، الذي غرس مع رفيق حياته القاضي الزبيري بذور الوعي، وشجرة الكفاح ضد الإمامة، عالماً جهبذاً، وخطيبا مصقعاً، وشاعراً، وكاتباً مبدعاً، وذا ذاكرة فريدة لم تخنه في يوم من الأيام كلما أراد استظهار آية قرآنية، أو حديث نبوي، أو بيت من الشعر.. ولكن كان يحفظ من القرآن، والأحاديث، والقصائد، والأقوال المأثورة - بل لكم له من الأقوال المأثورة - لكنه، قبل هذا وذاك، كان يتصف بالحكمة والدهاء، وظريفاً لا تخلو أحاديثه من الطرف والنكات الساخرة.
المصدر: الوسط
» فل تذهبو الي مزبلة التاريخ يا قادة اسرئيل علي العرب
» الحـــــــــــــراك اليمني السلمي
» المتظاهرون يقاومون بلاطجة النظام في صنعاء
» من للناس البسطاء
» كلمات الفضول غناء ايوب
» دعت لإلقاء القبض على أبنائه قبل الـ17 من يوليو
» رفضا لمحاولات وأد الثورة وتحويلهاإلى أزمة
» من يضغط على الأخر ومن سيحقق ما نريد