لا يزال عقلنا السّياسيّ اليمنيّ يعاني للأسف جملةً من الأمراض والعلل التي أعاقت ولا تزال تعيق مسيرة تطوره, وتحول دون قدرته على مواكبة التطوّرات الحاصلة في عالم اليوم, ومقاربة قضايا الواقع الحي, بوعي ومسؤولية. ومن تلك العلل والأمراض المعيقة والمؤسفة:
أن هذا العقل لايعقل من قضايا الوطن والمواطن الكثيرة والكبيرة إلاّ فقط ما يمثّل موضوعاً لهمّ النّخبة أو الطبقة السّياسية؛ أكانت في موقع السّلطة, أم في موقع المعارضة للسّلطة, ولا يعقل ما يمثّل موضوعاً لهمِّ المواطن البسيط, بشكل عام, وإذا قدّر لهذا العقل أن يعقل بعض قضايا الوطن أو المواطن البسيط الذي لا ينتمي إلى طبقة السّاسة, فإنّه لا يعقلها إلا من حيث هي رافعة لقضايا السّاسة, أو من زاوية ما تحقّقه من مصلحة لهذا الطّرف أو ذاك من أطراف الصّراع السّياسي(على السّلطة). ما يعني أن عقلنا السّياسيّ قد بات أعمى ولا يعقل من قضايا الوطن والمواطن الكثيرة والكبيرة إلا فقط تلك القضايا التي هي في بؤرة انتباه السّاسة؛ أكانوا في السلطة أم في المعارضة, أعني تلك القضايا المتصلة بالسّلطة ومغانمها وهي القضايا التي تمثّل موضوعاً لصراع طبقة السّاسة, ويمثّل تناولها انتصاراً لهذا الطّرف السياسيّ أو ذاك, إنها القضايا التي تشكّل ميزان الرّبح أو الخسارة لهذا الطّرف ضدّ الطّرف الآخر.
وهذا يقتضي أنّ ما يعقله عقلنا السّياسيّ من قضايا الوطن والمواطن, فإنّه لا يعقله لوجه الله أو لوجه الوطن والمواطن, أو لأجل الحقيقة وإثراء المعرفة بها, بل من أجل تسجيل المواقف, وتعزيز مواقع الصّراع والمواجهة بين أطراف العمل السّياسي في السّاحة الوطنية, سعيا إلى تحقيق مكاسب سياسيّة آنيّة ضيّقة.
عقلنا السّياسيّ لا يزال-في جملته-عقلاً مبرمجاً؛ تبرمجه ثقافة الحزب, أو المذهب, أو الفئة أو الطائفة, أو السّلالة, أو القبيلة أو العشيرة, أي بنوع من الثقافة الأحاديّة المغلقة التي من شأنها أن تستلب من الكائن العاقل إرادته الحرّة والمسؤولة, وتصوغ وعيه بقضايا الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ بطريقة آليّة زائفة
لا يزال عقلنا السّياسيّ المفكِّر في فكر هذه النخب عقلا غير ديمقراطيّ لسببين:
السّبب الأوّل؛ لأنّه لا يزال عقلاً متمركزاً حول ذاته, ولذلك فهو لا يزال يفكّر في قضايا الواقع الاجتماعي أو السّياسيّ ويدركها, أو يقيم علاقته بها بطريقة غير ديمقراطيّة, على نحو من شأنه أن يصادر على تلك القضايا المفكَّر فيها حقها في الوجود, جاعلاً منها مجرّد أداة أو ذريعة لتحقيق وجوده هو ذاته, وإن بمعزل عنها.
السبّب الثّاني؛ لأنّه لا يزال عقلاً مبرمجاً؛ تبرمجه الثّقافة الحزبيّة, أو المذهبيّة , أو الفئويّة أو الطّائفيّة, أو السّلاليّة, أي بنوع من الثّقافة الأحاديّة المغلقة التي من شأنها أن تستلب من الكائن العاقل إرادته الحرّة والمسؤولة
إنّه عقل يستند إلى الممكن الذّهنيّ, في صورته المثلى(المجرّدة) على حساب الممكن الواقعيّ(نفسه:130), أو لنقل: إنّه قد ظلّ يعقل الممكن الذّهنيّ في صورته المثلى, بدل أن يعقل الممكن الواقعيّ.
عقلنا السّياسيّ لا يزال يعاني-في عمومه-من الانفصام الحادّ بين الغايات والإمكانيّات, أو بين الشّعارات والممارسات, ولذلك فهو لا يزال عاجزاً عن تحقيق أيّ نوع من المصالحة والتّوازن بين قضايا الواقع والممكنات الذهنيّة المجرّدة, ما جعله يرتبط ارتباطاً عضويّاً بالفشل في إحداث أيّ نوعٍ من المصداقيّة لدى المواطن البسيط الذي بات يدرك اليوم أنّ معظم ما يتبادله السّاسة, لا يعدو أن يكون مجرّد مناكفات سياسيّة, ولا مصداقيّة له.
عقلنا السّياسيّ ينحو-في الغالب-منحى تجاهل الجماهير(اليمنيّة) التي يفترض أنها تمثّل مرجعيّة الأطراف المتصارعة على السّلطة, لذلك رأينا الخطاب السّياسي المجسّد حضور هذا العقل ينظر إلى هذه الجماهير بوصفها موضوعاً للوصاية, للاستقطاب, لا بوصفها ذواتاً قادرة على الاختيار والتصرّف, إنّه يفكّر للجماهير, أو نيابةً عنها, ولا يفكّر في الجماهير أو معها
عقلنا السّياسيّ ما يزال-في جملته-عقلاً غير واقعيّ, لذلك فهو ما ينفكّ ينوس بين الحلم والواقع, ويتموّج بتموّج الأحداث الحاصلة في السّاحة الوطنية وخارجها, فلا ينتهي إلى رأي أو موقف حاسم من قضيّة, إلا لكي يعدّل عنه إلى البحث عن رأي أو موقف آخر حاسم, مناقض بل ربّما مناهض لذلك الرأي
إنّ العقل السّياسيّ هو قبل كلّ شيء"عقلٌ", فهو إذن يرتبط ضرورة بنظام معرفيّ, ولكن بما أنّه"سياسيّ" فهو لا يتقيّد بنظام معرفيّ واحد, ولا بمبادئ ولا بآليّات هذا النّظام أو ذاك, بل هو يمارس"السّياسة" في هذا المجال, فيوظّف ما يناسب قضيّته ويخدم قناعاته
» فل تذهبو الي مزبلة التاريخ يا قادة اسرئيل علي العرب
» الحـــــــــــــراك اليمني السلمي
» المتظاهرون يقاومون بلاطجة النظام في صنعاء
» من للناس البسطاء
» كلمات الفضول غناء ايوب
» دعت لإلقاء القبض على أبنائه قبل الـ17 من يوليو
» رفضا لمحاولات وأد الثورة وتحويلهاإلى أزمة
» من يضغط على الأخر ومن سيحقق ما نريد